«وداعية»
محمد اليامي
مع وداع الدراسة الذي يحبه الابناء، وأخيراً بات يكرهه الآباء لانهم يزعمون ان ابناءهم «يتفلتون» في الإجازة، أو لأنهم لا يستطيعون توفير أي شيء في الإجازة لهم، مع هذا الوداع، ودعنا هذا العام مع المدرسة هيبتها، وبالأخص هيبة المدرسة الحكومية.
حادثة الأسبوع الماضي في أحد أفضل المجمعات التعليمية الحكومية، تدقّ ناقوس الخطر، وأزيد أنها «تشربك» جميع المنبهات ليستمع من يحاول «التطنيش» أن هناك تقليلاً من هيبة المدرسة كمكان تعليم، وكمكان عام يملكه الشعب، وكجهة حكومية.
تزايد العنف في المدارس بين الطلبة، وضد المعلمين، ليس موضوعاً أمنياً، إنه موضوع تربوي، اجتماعي، ذو أبعاد خطيرة منها إذا كان ثمة من يرصد او يلاحظ، ان الهجومات والمعارك في أكثر من موقع أخذت طابع «الفزعة».
يتعارك الطالب مع زميله، فيأتي من الغد مستفزعاً بأصدقائه، او ابناء عمومته، ويباشرون معركة ترصدها الصحافة، ونجد أصداءها في الوزارة ضعيفة، وكأن الأمر شيء عادي، ربما هو كذلك، وإذا كان بالفعل كذلك نحتاج فقط إلى إعلانه وتعميمه «من عرض هالتعاميم».
الملاحظة الثانية، ان معظم حوادث «الغزو» تحدث في المدارس الحكومية، ونادراً ما نسمع عن أسلحة بيضاء أو «تركوازية» في المدارس الأهلية، حتى النوع المفبرك منها «ابو فله وهنجر وصنادق في الحوش». وهنا يبرز السؤال، ولن نجد له إجابة لأن المدارس اغلقت ابوابها، والأسئلة في قتها، ووقتها الاختبارات، أما الإجابات فوقتها اختبار قدرات المؤسسة التعليمية، والمجتمع، على تشخيص مشكلات الناشئة الحقيقية، وعلى تشخيص واقع التربية في المدارس، والتربية في البيوت، وسلوكيات المجتمع بما يرصد المشكلات كما هي، ليس كما يريد مشرفو رسائل الدرجات العلمية من باحثين يقضون نصف حياتهم في مراكز الطباعة وخدمات الطالب.
كثير من الآباء يغرس في أبنائه مبادئ الهمجية والتخلف من بوابة الرجولة والقوة، وأحياناً لا تستطيع لوم الأب، خصوصاً عندما تقرأ مثل هذه الأخبار لأنه ربما قال لنفسه: «سلامة ابني حالياً أهم من تحضّره، فليكن همجياً وجانياً خير من أن يكون متحضراً ضعيفاً ومجنياً عليه».
القيمة الحضارية لا تتحقق بتوفير سيارات حديثة للأبناء، او إسكانهم في منازل سلالمها رخامية، او حتى السفر بهم سنوياً، هذا على مستوى الأسرة، وهي أيضاً لا تتحقق بطرق سريعة، ومباني زجاجية على مستوى المجتمع، انها تتحقق مع سيادة قيمة الاحترام، ومع دقة تطبيق الأنظمة والقوانين، ومع تطوير الفكر المؤسساتي وعدم قصره على إنشاء الجهات، بل تعميمه على طريقة إدارتها ومنحها الصلاحيات.